Translate

الأحد، مايو 29، 2011

طرق وضع الدساتير 2) الطرق الديمقراطية

الطرق الديمقراطية فى وضع الدساتير؟
Û  
× تمثل السلطة التأسيسية أعلى السلطات فى الدولة، فهى التى تقوم بتأسيس السلطات الأخرى، وذلك عند وضع دستور جديد، أو على الأقل تقوم بإعادة تنظيمها عند تعديل الدستور أو بتغييره.
× ويقتضى المنطق الديمقراطى أن ينفرد الشعب بممارسة هذه السلطة وحده دون مشاركة من أحد. فالشعب وفقاً للمبدأ الديمقراطى يعتبر صاحب السيادة، ومن ثم فهو يملك أعلى السلطات فى الدولة، ومن أجل ذلك كان جهاد الشعوب للانفراد بممارسة السلطة التأسيسية ووضع دستور يحكمها بطريقة ديمقراطية، يلتزم قواعده الحكام والمحكومين على السواء.

× والطرق الديمقراطية والتى ترد ممارسة السلطة التأسيسية إلى الشعب وحده تتمثل فى وضع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة أو عن طريق الاستفتاء الشعبى.
Û   أولاً: وضع الوثيقة الدستورية بواسطة جمعية نيابية منتخبة
× إذا كان الشعب هو صاحب السيادة، فإن المبدأ الديمقراطى الخالص يقضى بأن يمارس الشعب هذه السيادة بنفسه. على أن الاعتبارات العملية تحول دون تطبيق الديمقراطية المباشرة التى يمارس فيها الشعب السلطة بنفسه. ومن ثم كان اللجوء إلى نظام الانتخاب كوسيلة ديمقراطية لإسناد السلطة إلى أشخاص يمارسونهنا نيابة عن الشعب ولحسابه.
× ومن هذا المنطق ظهر أسلوب الجمعية التأسيسية النيابية التى يختار الشعب أعضاءها عن طريق الانتخاب ويعهد إليها بمهمة وضع الدستور ويعتبر وكأنه صادر عن الشعب. ويعتبر نافذاً بمجرد صدوره ولا يتوقف على موافقة لاحقة من الشعب.
× وينسب ميلاد هذه الطريقة فى وضع الدساتير إلى الولايات الأمريكية فعلى أثر استقلالها عن إنجلترا. قامت كل ولاية من هذه الولايات بانتخاب جمعية تأسيسية لكى تضطلع بمهمة وضع الدستور. وكان يطلق على هذه الجمعية آنذاك Convention ثم صدر الدستور الفيدرالى بذات الطريقة فى سنة 1787 أى عن طريق جمعية نيابية اجتمعت فى فيلادلفيا.
× ومن الولايات المتحدة الأمريكية انتقل هذا الأسلوب إلى فرنسا حيث صدر الدستور الأول للثورة الفرنسية بهذه الطريقة، وكان ذلك فى سنة 1791. وبعد ذلك صدر به دستور 1848 ودستور 1875.

× وعقب الحرب العالمية الأولى انتشر تطبيق هذه الطريقة حيث أخذت بها دساتير دول كثيرة نذكر منها دستور فيمار الألمانى سنة 1919 ودستور النمسا سنة 1920 ودستور أسبانيا سنة 1931، الدستور الليبى الصادر فى سنة 1951.
Û تقدير أسلوب الجمعية التأسيسية النيابية:
× من الواضح أن هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من غيرها من الطرق التى سبق وأن صنفناها فى عداد الطرق غير الديمقراطية. ولعل أهم المميزات التى ترتبط بهذه الطريقة هى أنها جمعية نيابية منتخبة بعيدة عن التأثر بمراكز السلطة الفعلية فى الدولة والتى تحاول أن تكون لها اختصاصات أكثر من خلال نصوص الدستور.
        على أن هذه الطريقة يوجه إليها النقد من ناحيتين:
§        الأولى: تتمثل فى الخشية من استبداد هذه الجمعية وتطاولها على أعمال السلطات الأخرى فى الدولة. بدعوى أن هذه السلطةن تجد نفسها وقد جمعت بين يديها خيوط كل السلطات فى الدولة. ويدلل الفقه على صحة ذلك بمثال تاريخى يتمثل فى الجمعية التأسيسية التى انتخبت فى فرنسا سنة 1792 فى عصر الثورة وقامت بحكم إرهابى لم تشهده فرنسا من قبل.
× وهذا النقد مردود بأن تحديد اختصاصات الجمعية النيابية التأسيسية وقت انتخابها، وتحديد مدة معينة لكى تنتهى من عملها فى وضع الدستور يؤدى إلى التزام هذه الجمعية حدود عملها، وإنجاز العمل الذى أوكل إليها فى الحدود المحددة لها. وإذا كان التاريخ على امتداده يعطى لنا مثلاً لجمعية تأسيسية منتخبة أساءت استعمال سلطتها مثل الجمعية التأسيسية الفرنسية فى سنة 1792. فإن هذا التاريخ نفسه يعطى لنا أمثلة كثيرة لا تخضع لحصر عن جمعيات نيابية تأسيسية أخرى وضعت دساتير ديمقراطية حفظت حق الشعوب وحالت بصورة أكيدة ضد استبداد الحكام والملوك.
§        أما الثانية: فهو أن نظام الانتخاب كوسيلة لتكوين هذه الجمعية، لا يضمن اختيار أفضل العناصر التى يمكن أن تقوم بهذه المهمة. فكثير من أهل الفن والخبرة فى المجالات المختلفة تنأى بنفسها عن دخول المعارك الانتخابية وإذا ما جازفت بذلك فإنها لا تستطيع مسايرة أساليب الدعاية الانتخابية التى تمكنهم من الفوز فى هذه الانتخابات.
× وهذا النقد صحيح إلى حد كبير، إلا أنه يمكن التغلب عليه بالعمل على ضم عناصر ذات خبرة إلى الجمعية المنتخبة، وتكوين لجان استشارية إلى جانب هذه الجمعية المنتخبة لتساعدها فى إنجاز مهمتها على أنه يبقى ضرورة التشدد فى العمل على غلبة العنصر المنتخب فى اللجنة ضماناً لاستقلالها وحيدتها.
× كما أن تقرير مسئولية هذه الجمعية النيابية أمام الشعب سوف يؤدى إلى تلافى مثل هذه الانتقادات.
× على أن التطور الديمقراطى لم يكتف بهذه الطريقة فى إصدار الدساتير، وإنما تعداه إلى ضرورة العمل على إشراك الشعب بصورة مباشرة فى إصدار الدستور وهو ما يتحقق عملاً فى أسلوب الاستفتاء الشعبى الدستورى.


Û   ثانياً: وضع الوثيقة الدستورية بواسطة الاستفتاء الدستورى:
× فى الاستفتاء الدستورى (التأسيسى) يطرح على المواطنين مشروع الدستور المقترح وذلك لإبداء الرأى بشأنه سواء بالموافقة أم بالرفض. فإن وافق عليه الشعب أصبح دستوراً نافذاً واكتسب صفة القانون. أما إذا حدث العكس ورفض الشعب المشروع فإنه يعتبر كأن لم يكن.
× ولقد ظهرت فكرة الاستفتاء التأسيسى كوسيلة لإنشاء الدساتير فى الربع الأخير من القرن الثامن عشر وكانت البداية فى بعض الولايات الأمريكية عام 1776، وبات الاستفتاء التأسيسى من وقتها هو الأسلوب المتعارف عليه كضرورة حتمية مرتبطة بالسيادة الشعبية. وانتقل هذا الأسلوب إلى فرنسا عقيب الثورة الفرنسية وكان أول دستور فرنسى عرض على الاستفتاء الشعبى هو الدستور الذى صدر فى 24 يونيه 1793. والذى وضعته الجمعية المنتخبة برئاسة هيرول دى سيشيل وهو من حزب اليسار آنذاك. وعرض على الاستفتاء الشعبى ووافق عليه الشعب بأغلبية كبيرة فى 9 أغسطس 1793 ويعد هذا الدستور أول دستور فى فرنسا يصدر بصورة الاستفتاء الدستورى وقد أعلن عضو اللجنة التأسيسية المنتخبة كوتون Couthin أننا مدعوون وكافة الأحزاب فى الإمبراطورية لتحرير مشروع عقد اجتماعى وأقول مشروع لأننى أعتقد جيداً أننا لا نملك سوى مجرد أمنية حتى تحصل نصوص المشروع على تصديق الشعب.
× ونفس الأمر حدث فى فرنسا أيضاً وهى بصدد إنشاء الجمهورية الرابعة 1946، ودستور 1971 فى مصر والدستور الإيرانى الصادر سنة 1979 وكذلك أغلب الدساتير العربية التى صدرت بعد الاستقلال.

× على أنه – وإن كانت كل هذه الدساتير قد صدرت عن طريق الاستفتاء الشعبى مما يوحى بأن الشعب كانت له الكلمة العليا والقرار الفاصل فى إصدار مثل هذه الدساتير – إلا أن الواقع العملى يؤكد غير هذه الحقيقة. فطريقة الاستفتاء الشعبى – كأسلوب لإصدار الدستور – ليست بذاتها دليلاً على ديمقراطية هذا الدستور، إنما تكون كذلك بما يحوطها من ظروف موضوعية أخرى ومنها طريقة وضع نصوصه. وهذه الطريقة تختلف وتتعدد فمنها ما يكون قريباً من المفهوم الديمقراطى، ومنها ما يكون بعيداً عن هذا المفهوم. فمشروع الدستور قد يكون من وضع جمعية تأسيسية منتخبة، كما قد يكون من وضع لجنة حكومية.
1- وضع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية:
× وفى هذه الحالة يقوم بوضع الدستور جمعية تأسيسية منتخبة، وتكون مهمتها قاصرة على وضع مشروع للدستور، ثم يعرض هذا المشروع على الشعب لكى يبدى فيه رأياً. فإذا وافق الشعب على هذا المشروع أصبح دستوراً واجب العمل به. وإذا رفض الشعب تعين إهداره وإهدار كل ما يكون له من قيمة ويصبح هذا المشروع كأن لم يكن. وأسلوب الجمعية التأسيسية المنتخبة – كوسيلة لوضع مشروع دستور يطرح على الشعب فى الاستفتاء الشعبى – يعتبر مزجاً بين النظام النيابى وبين الديمقراطية شبه المباشرة، فالشعب ينتخب أعضاء الجمعية التأسيسية، وذلك لمهمة وضع مشروع الدستور. على أنها لا تستطيع أن تتخذ القرار بالنسبة للدستور بمفردها وإنما يكون هذا القرار ملكاً للشعب فى الاستفتاء.


× ويرى جانب من الفقه أن وجود التلازم بين أسلوب الجمعية التأسيسية المنتخبة وبين الاستفتاء الشعبى يؤدى إلى دمج الديمقراطية النيابية بالديمقراطية شبه المباشرة. مما يجعل طريقة وضع الدستور أكثر ديمقراطية.
2- وضع الدستور عن طريق لجنة حكومية:
× وفى هذه الطريقة لا يتدخل الشعب عن طريق انتخاب أعضاء يمثلونه فى عملية إعداد مشروع الدستور. إنما يكون هذا العمل من قبل السلطة الحاكمة. فهى التى تشكل لجنة لكى تضع هذا المشروع ويقتصر دور الشعب على الاستفتاء فيه قبولاً أو رفضاً. ولا شك أن هذه اللجنة لن يتوافر لها نفس الاستقلال الذى يتوافر للجمعية المنتخبة. وذلك لأن السلطة ا لتى شكلت هذه اللجنة تستطيع التأثير فى أعمالها.
× وقد اختلف الفقه حول أفضلية أحد الأسلوبين عن الآخر. وتفرق بخصوص ذلك إلى آراء شتى:
§        فذهب الرأى الأول إلى عدم التفرقة بين وضع مشروع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية أو بواسطة لجنة حكومية، أو حتى حاكم فرد. ما دام أن هذا المشروع يعرض على الشعب فى الاستفتاء الشعبى.
× واضح أن هذا الرأى يعلى من قيمة الاستفتاء الشعبى كوسيلة لتأسيس الدستور. ويعتبره أسلوباً ختلفاً ومتميزاً عن الطرائق الأخرى، وهو يضمن بذاته ديمقراطية الدستور المقترح.

 ومن ثم فإنه فى حالة اعتماد هذا الأسلوب لا يلزم أن يكون مشروع الدستور من إعداد جمعية تأسيسية منتخبة. فكثيراً ما يوضع الدستور بواسطة لجنة حكومية (أى هيئة منتخبة من الشعب)، ومثال ذلك دستور 16 يناير 1956 فى مصر، ودستور 4 أكتوبر 1958 فى فرنسا، كما يذهب  أنصار هذا الرأى إلى أنه حتى مع وجود جمعية تأسيسية منتخبة – فإن الدستور يكون من صنع الشعب، ومهمة هذه الجمعية لا تتعدى إعداد مشروع الدستور المقترح.
§        أما الرأى الثانى: فقد كان رأياً وحيداً فى الفقه المصرى إذ يرى صاحبه أنه لا يجوز الجمع بين طريقة الاستفتاء الشعبى وطريقة الجمعية التأسيسية فى إصدار الدستور وذلك بدعوى تعارض كل منهما: ففى حين تعتبر طريقة الجمعية التأسيسية المنتخبة تطبيقاً لفكرة النظام النيابى فإن طريقة الاستفتاء الدستورى التأسيسى تعتبر تطبيقاً لفكرة الديمقراطية المباشرة. وهو رأى ميجور، وذلك لأنه لا يتفق مع المنطق القانونى أو التطبيق العملى – فليس ثمة ما يمنع من المزج بين الديمقراطية المباشرة وبين الديمقراطية النيابية، وذلك بغية الوصول إلى تطبيق قريب لمعنى الديمقراطية التى تعنى حكم الشعب نفسه بنفسه. وهذا هو الأساس القانونى لفكرة الديمقراطية شبه المباشرة. ثم أننا فى العمل نرى كثيراً من الدساتير قد مزجت – فى طريقة تأسيسها – بين طريقتى الاستفتاء والجمعية التأسيسية، مثل دستور الجمهورية الرابعة فى فرنسا.
§        الرأى الثالث: ويرى أنصار هذا الرأى ضرورة أن يكون إعداد مشروع الدستور قبل طرحه على الاستفتاء الشعبى – من قبل جمعية تأسيسية منتخبة. فالاستفتاء الشعبى – عند هذا الرأى – يعتبر ذا دور مكمل لأسلوب الجمعية التأسيسية، ويرى أنصار هذا الرأى أن إعداد الدستور بواسطة لجنة حكومية أو بواسطة حاكم فرد يغير من طبيعة الاستفتاء الشعبى، ويحيله إلى استفتاء سياسى أو استفتاء شخصى يبتغى إضفاء صفة من الشرعية على برنامج حاكم فرد.
× والحقيقة أننا نرجح هذا الرأى عن سابقيه نظراً لما يتميز به من حرص على أن يصدر الدستور – وهو القانون الأعلى فى المجتمع – مكفولاً بضمانات حقيقية وقوية، تبعد عنه شبح الاستبداد، ولا سيما أن أدوات الاستبداد فى العصر الحديث أصبحت تتمثل فى ذات أدوات الحريات والديمقراطية وتتقمص أشكال مجالس نيابية واستفتاءات وانتخابات.
× ومن ناحية أخرى، فإن التطبيقات العملية تثبت بما لا يدع مجالاً للشك – أن الدساتير التى صدرت من قبل الحاكم كانت دساتير تنقصها الديمقراطية، وأنها فى مبناها قد فصلت على هوى الحاكم تفصيلاً، وأصبحت – رغم الاستفتاء الشعبى – أدوات قهر تقهر إرادة الشعب.
× ثم أن المذهب الذى يرى أن الدستور يكون من صنع الشعب – عند الأخذ بطريقة الاستفتاء الشعبى – يعتبر مخالفاً للواقع، إذ أن الشعب لا يستطيع أن يغير من قواعد الدستور، ولكنه يوافق عليه أو لا يوافق عليه، ويسبق هذه العملية عملية إعداد مشروع الدستور، والذى يجدر – تطبيقاً للمبدأ الديمقراطى – أن تكون بين يدى نواب منتخبين من قبل الشعب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق