Translate

الأحد، مايو 29، 2011

طرق وضع الدساتير- 1) الطرق غير الديمقراطية

تتمثل هذه الطرق فى طريقتى المنحة والعقد.
أولاً: صدور الدستور عن طريق المنحة Poctorio:
× ارتبط أسلوب المنحة فى وضع الدساتير بالأنظمة الملكية القديمة وساعدت هذه الطريقة فى الانتقال من النظام الملكى المطلق إلى النظام الملكى المقيد.
 فالملكيات القديمة كانت ملكيات مطلقة يمثل الملك فيها محور السيادة وصاحب السلطة التى يمارسها دون قيد أو شرط. ثم ما يلبث أن يتغير الحال ويقرر هذا الملك أن يمنح دستوراً ينظم ممارسة هذه السلطات ويمنح بمقتضاه بعض الحقوق والحريات لشعبه. ومن ثم فإن منطق أسلوب المنحة أن الدستور من صنع الملك وصدر مقتضى إرادته ولذلك فإن الدساتير تحرص دائماً أن تنص فى ديباجاتها على ما يفيد ذلك.
× على أن هذا من حيث الشكل، أما من حيث الموضوع ومن حيث الظروف الواقعية التى أدت إلى إصدار الدستور فى شكل منحة من الملك فتدل على أن الملوك عادة لا تتنازل عن سلطاتها سواء كلها أو بعضها بمقتضى إرادتهم الحرة كما يحلو لهم أن يثبتوا فى مقدمة هذه الدساتير.


× وإنما يكون ذلك نتيجة ضغط شعبى شديد الوطأة إلى استجابة الملوك إلى صوت الشعب وإصدار دستور ينظم شئون الحكم. ويقدر قوة هذا الضغط بقدر ما يكون تنازل الملوك عن سلطاتهم لصالح الشعب. بل إن الملك يرى فى إصدار مثل هذا الدستور صيانة لملكه من الثورة عليه وتغييره بالقوة.
× وعلى ذلك؛ فإنه لا يستقيم الرأى الذى يذهب إلى أن الملك وقد أصدر الدستور فى شكل منحة يستطيع أن يسحبه أو يعدله.
Û فذاك مردود من وجهين:
الوجه الأول – وقد سبق بيانه – وهو أن الدستور فى مثل هذه الحالة لا يصدر إلا على أثر ضغط شعبى. ومثال ذلك دستور سنة 1923 فى مصر. حيث أنه لم يصدر إلا بعد ثورة حقيقية واضطرابات مستمرة قام من خلالها الشعب بالمطالبة بحقوقه.
أما الوجه الثانى: فإنه حتى مع التسليم جدلاً بأن مانح الشيء يستطيع أن يسترده أو يعدله وقتما شاء فإن ذلك يبقى صحيحاً لو أن الأمة لم تقبل الدستور ولم تطبق أحكامه. فقبول الأمة يلزم الملك بعدم الرجوع فيه أو حتى محاولة تعديله دون موافقة الأمة.
Û أمثلة للدساتير التى صدرت فى شكل منحة:
× يذكر لنا التاريخ الدستورى المقارن أمثلة كثيرة للدساتير التى صدرت عن طريق المنحة. لأن هذه الطريقة كان لها دور بارز – كما سبق أن بينا – فى تحول الملكية المطلقة إلى ملكية مقيدة. ومن ذلك الدستور الفرنسى الصادر سنة 1814 فى أعقاب هزيمة نابليون وعودة الملكية إلى فرنسا.
× ومثال ذلك دستور بافريا سنة 1818 والدستور اليابانى الصادر فى سنة 1889. ومن الدساتير الحديثة نسبياً والتى صدرت فى شكل منحة الدستور الأثيوبى الصادر فى سنة 1931 والدستور اليوغسلافى الصادر فى سنة 1931 ودستور 1923 فى مصر.
Û   ثانياً: صدور الدستور عن طريق العقد le pacte:
× فى حين أن دور الشعب فى إصدار الدستور عن طريق المنحة يقتصر على خلق الظروف الواقعية التى تهيئ إصدار الدستور عن هذا الطريق على النو الذى سبق أن بيناه. ويبقى بعد ذلك إصدار الدستور عن طريق الملك فى شكل منحة بعيداً عن إشراك الشعب أو من ينوب عنه فى موضوع هذا الدستور نجد أنه فى ظل طريقة العقد كأسلوب لوضع الدساتير يتعدى دور الشعب هذا الإطار – ليشارك الملك أو الحاكم السلطة التأسيسية. ومن ثم تلتقى إرادة الحاكم وإرادة الشعب فى اتجاه وضع دستور للبلاد.
× ومن هذا المنطلق تبقى طريقة العقد كأسلوب لنشأة الدستور أقرب للديمقراطية من طريقة المنحة. حيث أن الشعب فى ظل طريقة العقد يستطيع أن يناقش مواد الدستور، ويستطيع بحسبانه طرفاً أصيلاً فى الاتفاق أن يرفض بعض مواده أو يضمنه البعض الآخر أو يحول دون إتمام الاتفاق بصفة عامة.
× وفى طريقة العقد يوضع الدستور بين الملك أو الحاكم وبين ممثلين للشعب "جمعية أو مجلس" يكون موكلاً عن الشعب فى مسألة إبرام عقد الدستور.


× على أنه رغم المميزات الظاهرة لطريقة العقد كأسلوب لإصدار الدستور بالقياس إلى طريقة المنحة. إلا أنها تعتبر تطوراً ديمقراطياً ناقصاً. فما زال الملك أو الحاكم يشارك الشعب فى ممارسة السلطة التأسيسية وهى فى أصلها حق أصيل للشعب يمارسها بمقتضى إرادته وعن طريق نوابه. ومن ثم يكون وجود الملك أو الحاكم طرفاً فى إصدار الدستور تعدياً على حق الشعب فى السيادة.
Ûأمثلة الدساتير التى صدرت عن طريق العقد:
× من أمثلة الدساتير التعاقدية الدستور الفرنسى الذى صدر سنة 1830 وجاء فى أعقاب الثورة على الملك شارل العاشر عن طريق البرلمان. وعند تولى الأمير لويس فيليب دوق أورليان العرش اشترط عليه البرلمان الموافقة على هذا الدستور، فوافق عليه. ومن ذلك أيضاً دستور اليونان الصادر سنة 1814 ودستور رومانيا سنة 1964 ودستور بلغاريا فى سنة 1879 بعد انفصالها عن تركيا.
× ومن ذلك أيضاً الدستور العراقى 1925 والدستور الكويتى 1962.
× نخلص من جميع ما سبق: أن الطرق غير الديمقراطية فى وضع الدساتير وإن كانت تمثل تطوراً محموداً فى الاتجاه الديمقراطى، حيث مثلت المنحة كأسلوب لوضع الدساتير تطوراً من الملكية المطلقة أو الحكم المطلق بصفة عامة إلى الملكية المقيدة. فبعد أن كان الحاكم أو الملك يحكم بلا دستور أو قيد من أى نوع. أصبح حكمه بعد صدور الدستور فى شكل منحة مقيداً به.


× وفى ذات الاتجاه يمثل أسلوب العقد تطوراً أكثر ديمقراطية من أسلوب المنحة. حيث أن الشعب فى هذه الطريقة يتجاوز دور المتلقى لنصوص الدستور الممنوحة، إلى دور المشارك الحقيقى والذى يطاول دوره الملك أو الحاكم فى إصدار الدستور.
× على أنه يبقى أن هذه الطريقة وتلك لا تتفقان فى الشكل والمضمون مع المبدأ الديمقراطى – حيث أن الأولى يحتكر فيها الحاكم السيادة وحده دون الشعب. وفى الثانية يشارك الحاكم الشعب فى السيادة. وهو أمر يناقض المبدأ الديمقراطى الذى تكون فيه السيادة للشعب، وللشعب وحده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق